كذلك عيسى عليه السلام بعث إلى بني إسرائيل: ((وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ))[آل عمران:49] وممن أتعبه وأرهقه عليه السلام أولئك الأحبار والكهنة من بني إسرائيل، بعثه الله تعالى إليهم مصدقاً لما بين يديه من التوراة يدعوهم إلى أن يتمسكوا بالتوراة، ولم يكن ناقضاً لدينهم؛ بل جاء مكملاً له -كما تنص عبارات الإنجيل- وقد جاء ليضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فهو قد جاء بالتخفيف والتيسير؛ ولكن عبيد الدنيا وعباد المال رفضوا ذلك، ولهذا نجد أن دعوة المسيح عليه السلام أكثر ما تتوجه إلى ترك التعلق بالدنيا وترك التشبث بها؛ لأن هذا هو معبود اليهود، فهو يدعوهم إلى الزهد وإلى الإيمان بالآخرة وإلى التفكر فيها، وإلى العمل لما بعد الموت، ومع ذلك واجه الحرب من جهتين: من هؤلاء المجرمين اليهود الذين قالوا فيه وفي أمه أشنع ما يقال، فقد قالوا: إنه ابن زنا، فهذه المقالة مقالة سوء وفاحشة تصدر من قومه تجاهه.
وأما الذين آمنوا به فقد اختلفوا فيه؛ فبعضهم يزعم أنه إله، وهو مع ذلك يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، ويقول (كما في كتبهم): أنا ابن الإنسان -وهي موجودة في الإنجيل إلى الآن- ليبين لهم أنه ليس إلهاً ولا ابناً لله -تعالى الله عما يصفون- فغلا فيه هؤلاء، وازدراه أولئك، فهؤلاء كفروا بما قذفوه به، وأولئك كفروا بما غلوا فيه، وهكذا لقي ما لقي عليه السلام، حتى إنهم أرادوا أن يقتلوه، فذهب زعماء اليهود إلى الحاكم الروماني، وأطمعوه في أن يصلب المسيح وأن يقتله، ولكن الله تعالى رفعه إليه وألقى شبهه على التلميذ الخائن: ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ))[النساء:157].
وإذا نزل عليه السلام في آخر الزمان، فإنه سيلاقي كثيراً من المحن أيضاً؛ فإنه سيلاقي الدجال ومن ذا الذي يستطيع أن يواجه الدجال ؟! وإن كان الله سبحانه وتعالى يسلط عيسى عليه السلام عليه فيذوب الدجال أمامه.. كما قال صلى الله عليه وسلم: {يذوب كما يذوب الملح في الماء} حتى إنه لو لم يدركه فيقتله لذاب حتى يموت، لكن يدركه عليه السلام بـباب لد فيقتله، ثم يجاهد النصارى الذين هم أقوى أمم الأرض وأكثرها عتاداً، فيقاتلهم، ويضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير.
وهذا شيء لا يقوم به إلا من كان ذا عزم وصبر.
وبعد ذلك يحاصر عليه السلام هو والمؤمنون معه من قبل يأجوج و مأجوج في الطور، حتى يكادوا أن يهلكوا، لكنهم يضرعون إلى الله سبحانه وتعالى فينصرهم الله تعالى ويهلك المجرمين... إلى آخر ما هو مفصل في ذلك، فكل حياته دعوة وجهاد وصبر وعزم.